الدرس الثاني من دورة الأصول الثلاثة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه. سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين .نسأل الله عز وجل أن يوفقنا واياكم لما يحبه ويرضاه وان يجعل عملنا في رضاه وان يستعملنا واياكم في طاعته وان يرزقنا الاخلاص في القول والعمل .وهذه الجلسات المباركة هي أولا لكي نتعلم ونرفع الجهل عن أنفسنا حتى نعبد الله عز وجل على علم لا بد ان نسحظر النية في بداية كل درس وفي جميع الأعمال. انتبهوا لهذا فالفرق الذي يميز بين العادة والعبادة هي النية. بالنية يرتفع الانسان الى أعلى الدرجات وبدون النية يحظر الانسان كمن يحظر بدون أن يستحظر أن يجعل هذه الجلسة وهذا التلقي لله ولكي ينفع نفسه أولا ثم ينفع اخوانه واهله والمسلمين جميعا هذا بداية. فالحرص والجد والاجتهاد مطلوب منا جميعا .اليوم بإذن الله تعالى هو الدرس الثاني من دروس الأصول الثلاثة للشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب وقد بدأنا في درسنا الأول في بيان فضل العلم ثم نبذة مختصرة عن شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ثم شرحنا أول ما ابتدأ به المؤلف كتابه وهو قوله يسم الله الرحمن الرحيم. وقلنا اننا سنبدأ باذن الله تعالى في شرح أول المسائل التي ذكرها المؤلف رحمه الله تعالى .
حقيقة أن الناظر الى علماء هذه الامة يجد ان هناك أناسا كان لهم أثر ملموس على هذه الأمة . طبعا لا يرتاب أحد أن من له الفضل الأول بعد الله عز وجل في اخراج الناس من الظلمات الى النور هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم كان أحرص الناس بعد رسول الله هم صحابته ثم العلماء على مر الأزمان والعصور هكذا كانوا حريصين كل الحرص على نفع الامة وايصال النفع لهم ومن أعظم ممن كان لهم أثر ملموس في حياة الأمة وانتفع به عموم المسلمين انتفاعا عظيما هو شيخ الاسلام ابن تيمية ولا يشك أحد أن الأئمة الأربعة كان لهم الفضل الكثير في هذه الأمة ولكن أكثر ما أثر في وقته وانتفع به الناس وكان له أثر ملموس في نشر العقيدة الصحيحة ورد أباطيل المبطلين هو شيخ الاسلام ابن تيمية ومن بعده تلميذه ابن القيم والعلماء الذين كانوا في وقته وتتلمذوا على يديه كذلك .ثم جاء عقد الشيخ محمد بن عبد الوهاب وكان أيضا قد امتلأ عقده بالشرك و عم الشرك الجزيرة العربية فقيض الله لهذه الأمة هذا العالم الرباني فدعا الناس لنبذ الشرك وتركه والى توحيد رب العالمين فعداه من عداه ولكن الرجل استمر في دعوته ملبيا قوله الله عز و جل "ادعو الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" .فكان له أثر ملموس على هذه الأمة وخير دليل على ذلك ما نشاهده الآن من انتفاع في الجزيرة العربية لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب .هو لم يأتي بجديد ولم يأتي بمذهب جديد وانما دعا الناس الى التمسك بالكتاب والسنة و الى عقيدة التوحيد والى نبذ الشرك والى ان يخلصوا في عبادتهم لله عز و جل واستمر على ذلك الى أن وافته المنية .انتفع الناس به انتفاعا عظيما ومن هذه الآثار التي تركها هذا الشيخ المبارك هذه الرسائل المباركة مثل الاصول الثلاثة وشروط الصلاة وكتاب التوحيد وأصول الايمان والقواعد الأربعة وغيرها من الكتب المفيدة التي انتفع بها الناس انتفاعا عظيما .وهذا الكتاب هو أثر من آثار هذا الشيخ. أقبل عليه أهل العلم شرحا وبيانا واهتماما وتعليما للأمة لما فيه من أصول التوحيد وقواعد الايمان وتعليم الناس العقيدة الصحيحة وخصوصا عامة المسلمين. فقد كان هذا الكتاب يدرس في المساجد لعوام المسلمين لسهولة ألفاظه واختصاره واشتماله على أهم قواعد الايمان و التوحيد .وقال الشيخ في بداية كتابه هذا اعلم رحمك الله أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل الأولى العلم:معرفة الله ومعرفة نبيه صلى الله عليه وسلم ومعرفة دين الاسلام بالأدلة . الثانية :العمل به .الثالثة :الدعوة إليه .الرابعة :الصبر على الأذى فيه.
أولا كلمة الأصول الثلاثة كثيرا ما يعتقد الناس أن كلمة الأصول يقصد بها أصول الدين أو أصول الفقه او الأصول عموما وفي الحقيقة أن الأصل في اللغة : هو ما يبنى عليه غيره، فاصول الدين في أغلب كلام العلماء هو علم التوحيد وعقيدة المسلم لأن الاعتقاد هو الذي يبنى عليه قبول الأعمال وصحتها . فغالب كلام أهل العلم اذا قالوا أصول الدين أوالأصول الثلاثة يقصدون أركان الاسلام والايمان واصول هذا الدين وما يقصد به من مباحث العقيدة .هذا أولا معنى كلمة الأصول هذه الأصول الثلاثة وضعها المؤلف في بيان أصل عظيم من أصول الاسلام وهي العقيدة .وجعلها مختصرة مفيدة وهذا شأن العلماء الربانيين يهتمون بما يفيد عامة المسلمين فيضعون لهم هذه المختصرات المفيدة التي يسهل على كل احد حفظهاوتعلمها والاستفادة منها ولذلك ينبغي لطالب العلم ان يبدأ أولا في التعلم بحفظ هذه المختصرات المفيدة كحفظ هذه الأصول الثلاثة فإن العلماء الربانيين هم الذين يبدؤون بتعليم الناس مسائل العلم الصغار قبل الكبار يربون أنفسهم ويربون طلابهم و يربون عامة المسلمين ابتداءا على هذه القواعد السهلة البسيطة التي تشتمل على أصول هذا الدين حتى يعم بها النفع وينتشر بها العلم بين عموم الناس جميعا.
قال الشيخ رحمه الله تعالى اعلم رحمك الله : أخذنا قبل ذلك معنى العلم وقلنا بأن العلم نقيض الجهل وان العلم هو ادراك الشيء على ماهو عليه ادراكا جازما والعلم الذي يعنينا هنا هو العلم الشرعي المراد به علم ما أنزله الله على رسوله من البينات والهدى فالعلم الذي جاء من عند الله هو الذي أثنى عليه ومدحه الوارد في قوله صلى الله عليه واله وسلم من يرد الله به خيرا يفقه في الدين .
ومراتب الادرا ك قسمها العلماء الى ستة مراتب :
1:العلم : وهو ادراك الشيء على ماهو عليه ادراكا جازما لا شك فيه
2: الجهل : وهو الجهل البسيط هو عدم الادراك بالكلية. ما تعرف شيئا عن الذي سئلت عنه او مسالة من مسائل العلم لا تعرفها ولا تدركها بالكلية . فهذا يسميه أهل العلم الجهل البسيط يعني مثلا لو قلت من كان معنا في الغرفة اليوم فتقول واحدة منكن لا أعلم فهذا نسميه حهل بسيط.
3: الجهل المركب :هو ادراك شيء على وجه يخالف الحقيقة يخالف على ماهو عليه .مثلا لو قلت من وراء هذا الجدار فقال واحد وراء هذا الجدار خالد او محمد ويكون وراء الجدار امراة .هذا نسميه الجهل المركب لأنه تكلم عن شيء غير موجود بالكلية أخبر عن شيء مخالف للحقيقة .
4:الوهم :ادراك الشيء مع احتمال ضده قد يكون موجود فلان أو فلان غير متيقن من ذلك.
5:الشك :ادراك الشيء مع احتمال مساوي يعني يتساوى عنده الامران معا فهو يشك في هذا الشيء ولا يرجح أحدهما عن الآخر .لكن الوهم يدرك الشيء مع احتمال وجود وان يكون الضد راجح على ماهو في ذهنه .
6: الظن : هو ادراك الشيء مع احتمال ضد مرجوح يعني الظن يكون أقوى من الوهم ومن الشك .هو يدرك الأمر ولكن على احتمال راجح ولكن قد يكون الاحتمال غير صحيح .
الذي يهمنا في هذا كله هو العلم وهو أن ندرك الشيء ادراكا جازما على ماهو عليه يكون ادراك المعلوم فيه ضروريا بحيث يضطر اليه من غير نظر ولا استدلال. مثلا لما أقول لواحدة منكن النار حارة محرقة أم باردة غير محرقة؟ الكل يعلم أن النار حارة وأنها محرقة لا تحتاج الى استدلال والى بسط أدلة على ذلك فهو شيء معلوم بالضرورة .السماء فوقنا الكل يعلم أن السماء موجودة فوقنا هذا الشيء معلوم بالضرورة بلا نظر ولا استدلال .فالمؤلف رحمه الله تعالى يقول اعلم رحمك الله : طلب منك أولا أن تعلم هذه الأمور التي سيبينها ويوضحها لك ولذلك استعمل هذا الاسلوب ومعنى ذلك اعلم :فعل امر من العلم.اعلم رحمك الله :أي أفاض الله عليك من رحمته. وهو دعاء بأن يرحمك الله .فالشيخ يدعو لطلابه أو طلبة العلم أو من يتعلم هذه المسائل التي ذكرها بأن يرحمهم الله وأن يلقي عليهم رحمته .فهذا تلطف منه رحمه الله تعالى وتحبيب للسامع والمتعلم والقارئ بأن دعا له فبدأ معه بلين الكلام والدعاء الصالح حتى يقع في قلبه وينتبه لما سيلقيه عليه من هذه المسائل التي سيذكرها رحمه الله تعالى .اعلم رحمك الله انه يجب علينا تعلم أربع مسائل الاولى العلم وقد ذكرنا لكم معنى العلم فلا يحتاج الى أن نعيد فيه الكلام مرة ثانية وحقيقة هذه المسائل أو هذه الأصول الثلاثة هي أول ما يسأل عليه العبد في قبره فيسأل من ربك وما دينك ومن نبيك .هذه الأسئلة التي عليها مدار هذا الكتاب ولم يوفق الى الحق فيها والجواب النافع عليها الا من اعتقد اعتقادا جازما وكان من أهلها العاملين بها. فالعباد يفتنون في قبورهم فتنة عظيمة. فيفتن العباد في قبورهم في هذه الحفرة الضيقة التي ندخلها جميعا ليس معنا أحد ولن يكون معنا أحد، ليس معنا الا ما قدمنا في هذه الدنيا العمل الذي عملناه في حياتنا ،فإن الميت يتبعه ثلاثة أهله وماله وعمله فيرجع معه اثنين ويبقى الثالث.يرجع أهله ويرجع ماله ويبقى معه عمله في تلك الحفرة الضيقة .علم أهل الايمان وعلم الصالحون أنه سيبتلون فيها فعملوا لهذا اليوم .ولذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه يذكر أمامه الجنة والنار فلا يبكي وعندما يذكر أمامه القبر يبكي بكاءا شديدا لأنه يعلم أن هذا أول منازل الآخرة فان نجا الانسان فيه نجا مما بعده .وكان الرسول يقول ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم لما اشترى بئرا عونا ولما تبرع بأكثر أمواله في أيام ماحصل للمسلمين .كان يقول ذلك ورغم ذلك اذا وقف على قبر يبكي حتى يبل لحيته رضي الله عنه فيقال له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فيقول أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال ان القبر أول منازل الآخرة فمن نجا منه فما بعده أيسر منه وان لم ينجو منه فما بعده أشد منه .قال رضي الله عنه ذكر عن رسول الله أنه قال مارأيت منظرا قط الا والقبر أفضع منه.
هذه هي الحفرة التي سنوضع فيها جميعا والتي سنسأل فيها هذه الأسئلة التي ذكرها النبي حينما قال ان العبد المؤمن اذا وضع في قبره وولى عنه أهله وهو يسمع خفق نعالهم تركوه فيأتيه ملكان فيقولان له من ربك .اذا كان من أهل الايمان، من أهل الاستقامة، من أهل الصلاح فسيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الاسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له و ما علمك يقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت .فينادي منادي من السماء أن صدق عبدي فأفرشوا له من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا الى الجنة فيأتيه من رَوحها و طيبها ويُفسح له في قبره مد بصره ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب طيب الريح فيقول أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالخير فيقول أنا عملك الصالح فوالله ما علمتك الا كنت سريعا في طاعة الله بطيئا في معصيته فجزاك الله خيرا .هذا العبد المؤمن الذي قرأ كتاب الله وآمن به و اعتقد هذا الاعتقاد .اعتقد أن الجنة حق و النار حق والنبيون حق و الساعة حق فعمل لهذا اليوم .وأما غير المؤمن فقد قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم فإن العبد الكافر اذا وضع في القبر وولى عنه أهله مدبرين يأتيه ملكان شديدا الانتهار فينتهرانه ويجلسانه فيجلس فزعا فيقولان له من ربك فيقول ها..ها لا أدري فيقولان له ما دينك فيقول ها..ها لا أدري فيقولان له ما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم فلا يهتدي باسمه مع أنه كان يعرفه في الدنيا فيقال له محمد فيقول ها..ها لا أدري سمعت الناس يقولون ذلك. فيقال له لا دريت ولا تلوت. فينادي منادي أن كذب فأفرشوا له من النار وافتحوا له بابا الى النار فيأتيه من حرها وسمومها ويضيق عليه قبره حتى تختلع أضلاعه ويأتيه رجل قبيح الوجه قبيح الثياب منتن الريح فيقول أبشر بالذي يسوءك هذا يومك الذي كنت توعد فيقول وأنت من أنت فوجهك الوجه الذي يجيء بالشر فيقول أنا عملك الخبيث ،فوالله ما علمتك الا كنت بطيئا عن طاعة الله سريعا الى معصية الله ..الى آخر الحديث الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وقد صححه أهل العلم .
هذه الرسالة تدور حول هذا الحديث، حول العقيدة :من ربك ما دينك من نبيك ،أصول التوحيد ولا شك أن التوحيد هو أهم ما ينبغي أن يهتم به كل مسلم ومسلمة بتحقيقه والعمل به .يعني تعلم العقيدة والتوحيد هذا من أهم ما يجب علينا جميعا .لأنه من لقي الله عز و جل لا يشرك به شيئا أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل ،ومن لقي الله يشرك به شيئا لن يرح رائحة الجنة ولن يشم رائحتها .فالتوحيد أهم ما ينبغي أن نعتني به أيتها الأخوات .اذن القضية التي بنى عليها المؤلف كتابه هي قضية التوحيد هي القضية الكبرى والقاعدة الكبرى التي بنى عليها المؤلف كتابه.لماذا لأنها هي أهم الواجبات وأول ما أمر الله به وأول دعوة الرسل "وقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله "، "وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون " أي يوحدون .اذن يجب علينا ان نقيم حياتنا كلها على التوحيد وأن نجعل عبادتنا لله وحده لا شريك له وأن نعلم أنه لا نجاة لأحد كائنا من كان إلا بالتوحيد بعد رضا الله تعالى عنه وأنه لا يدخل الجنة مشرك أبدا .فوجب علينا أن نتعلم العقيدة الصحيحة "إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء "وأعظم ذنب عصي الله به هو الشرك "إن الشرك لظلم عظيم" ولذلك كانت حياة الأنبياء هي دعوة التوحيد .اعلم رحمك الله تعالى أنه يجب علينا تعلم أربع مسائل هذه المسائل الأربعة سنبدأ فيها مسألة مسألة بإذن الله تعالى في الدرس القادم.
نسأل الله عز و جل أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا وأن يجعلنا وإياكم من الموحدين وأن يحشرنا مع الموحدين ومع النبيين و الصدقين والشهداء والصالحين وبارك الله فيكم ونفع بكم.
الرئيسية
موضوع: تفريغ الدرس الثاني 
